الحركة الدلاليَّة التصاعديَّة في القرآن الكريم
الملخص
لقد تحدّى القرآن الكريم العرب في أُسلوبه ونظمه، ومعانيه، وتراكيبه، حتّى خاطبهم بأنَّهم {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}([i])، وليس هذا خطابًا للعرب فحسب؛ لأنَّ القرآن الكريم قد اختصَّ بأنَّه معجزة بالغة تتحدّى كلَّ إنسانٍ في كلِّ زمانٍ ومكان، أيًّا كانت ثقافته وأدبه. إنَّه إعجاز لا يقتصر على مقياسٍ فنيٍّ معيَّن في عصر من العصور، ومعجز على وفق أي مقياس فنيّ أدبيّ صحيح، وذوقٍ جماليّ سليم.
وقد كان لاختيار القرآن الكريم هذا اللفظ، أو هذا النظم، أو ذاك التركيب قصدًا معيّنًا، يجعل العنصرَ المختارَ مؤشِّرًا أُسلوبيًّا يُشير إلى غرضٍ بعينه. وقد كان بحثي يدور الكلام فيه على الإعجاز الاختياري للألفاظ، أو التراكيب، التي تنتظم في سياقٍ بعينه، لِتسوقَ معنًى مقصودًا يوافق السياق، ويطلبه المتلقي، وقد كان مقتصرًا على نحوٍ بعينه من هذا الإعجاز، وهو تدرُّج الألفاظ، والتراكيب في دلالاتها تدرُّجًا تصاعديًّا بحسب ما تقتضيه الظروف المحيطة بالسياق الذي ترد فيه، بنظمٍ تحويليٍّ بما فيه من تقديمٍ وتأخيرٍ، وزيادة، أو قد يكون ذلك باستبدال لفظٍ مكان لفظ آخر، ليُصوِّر لك بتلك العناصر قصَّةً وقعتْ، أو حادثًا سيقع، أو منطقًا لإقناع، أو دعوةً للإيمان، أو وصفًا للحياة الدنيا، أو الأُخرى، أو تمثيلًا لمحسوسٍ بملموس، أو إبرازًا للظاهر، أو المُضمر، أو بيانًا لخاطرٍ في الضمير، أو لمشهدٍ منظور([ii]).