التمركز الاثني والهوية الوطنية (المجتمع العراقي انموذجاً)
الملخص
من ملامح المجتمع العراقي التنوع المذهبي والديني والقومي الذي يفترض أن يؤدي إلى حالة من التعايش والألفة ، وأن يكون عامل إثراء ثقافي للمجتمع ، ولكن هذا الواقع يمكن أن يتحول إلى كارثة بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد ، إذ تحول إلى احتراب وتباغض بين مكونات المجتمع بفعل السياسة أو الدين إذ اتخذا وجهتين طائفيتين ، لو أردنا النظر إلى هذا التنوع الذي قد لا يكون موجوداً على هذه الشاكلة في دولة أخرى في المنطقة خصوصاً ، من حيث تعلقه بالتجانس أو عدمه فإنه قد يكون عامل هدم ، وقد يكون أيضاً من أهم عوامل البناء والوحدة ، لحاجة هذه المكونات إلى الوحدة ولعدم قدرة احدها على إلغاء الآخر ، إنها والحالة هذه ستكون مصدرا للإثراء الثقافي والفكري ، فالعبرة ليست في المجتمع المتجانس ، فقد اكتسبت التعددية الأثنية أهمية خاصة كونها السبب وراء الصراعات التي تشهدها مجتمعات ودول كثيرة في أنحاء العالم وأدت إلى انهيار دول ، أو إلى حروب طويلة وتغيير أنظمة سياسية في دول ، والى أزمات وتوترات وانقسامات سياسية ، والأثنية ظاهرة معقدة ومركبة وقديمة يتطلب تحليلها والسعي في فهمها ضرورة الإحاطة بالأبعاد المادية والنفسية والاجتماعية التي تمثل البيئة الخاصة بالظاهرة والتي تمنح كل جماعة طابعها المميز ودوافع قيام الجماعة الأثنية وتبلورها ، أن استمرار الكراهية بين الجماعات المختلفة داخل المجتمع الواحد سيؤدي إلى زيادة المسافة الاجتماعية بينها وقد يترتب على ذلك ، ضعف الاندماج بين هذه الجماعات فيصبح المجتمع الواحد منقسماً إلى مجتمعات فرعية يعيش كل منها في عزلة اجتماعية غير ملم بنشاطات المجتمع . وهنا نصل إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أن تعرض المجتمع إلى طارئ أو أزمة ، سيؤدي إلى استثارة العدوان لدى بعض الجماعات التي أحبطت بدرجة كبيرة ، إذ تتخذ من الأزمة أو الطارئ فرصة للنيل من جماعات أخرى فالمشهد القتالي الطائفي العراقي يعتمد أسلوب أهم ميزاته هو تحديد الضحية أو الضحايا لاعتبارات أثنية : دينية أو مذهبية أو مناطقية ، لا يشكل رفض التسمية انعكاساً للواقع أو مكابرة بل أنها تغطية لمشروع طائفي تسهم فيه قوى معينة لتخريب النسيج الاجتماعي والديني والسياسي العراقي ومن ثم تقويض أركان اللحمة الوطنية وشرذمة الولاءات وتحويلها من الوطني إلى الطائفي الاثني والخاسر الأكثر في هذه العملية هو المواطنة العراقية والعراق كوطن وإقليم ، لذا يستهدف البحث التعرف إلى : مفهوم التمركز الاثني ، المرتكزات والمبادئ النفسية للتمركز الاثني ، أسباب التمركز الأثني ، الطائفية والأثنية وتأثيرها على الهوية الوطنية في العراق أذ يشير مفهوم التمركز الإثني (Ethnocentrism) بانه التفكير والاعتقاد بأن طرق تفكير مجموعة معينة من الناس تكون أفضل من تفكير مجموعات أخرى ، أو الحكم على المجموعات الأخرى بانها سفلی أو دنيا مقارنة بالمجموعات الأخرى ، فكلمة (أثنية) تشير إلى الميراث الاجتماعي ، و (التمركز) يشير إلى نقطة البداية المركزية ، لذلك فان التمركز الإثني يشير بصورة خاصة إلى الحكم على المجموعات الأخرى من وجهة نظرنا الاجتماعية ، فهو مجموعة من الأعراض العالمية لوجهات النظر والسلوكيات المقترنة به تتضمن تعاون الأفراد داخل المجموعة (In - group) وعدم تعاونهم مع الأفراد خارج الجماعة (Out - group) ، ويظهر السلوك الإثني من أسلوب وأنموذج بسيط متطور للتنافس بين الأفراد ويظهر هذا السلوك حتى عندما يكون التبادل بين الأفراد مستحيلاً أو يكون التعاون بين أفراد المجموعة صعباً ومكلفاً ، فان السلوك الإثني سوف يكون ضرورية لإبقاء هذا التعاون ، فالأثنية هي الهوية الثقافية والمظاهر والممارسات الثقافية لمجتمع معين التي نشأت تاريخياً والتي تنزع نحو فصل الناس عن بعضهم البعض ، فتصبح الإثنية ظاهرة تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات ثقافية معينة ومعتقدات منفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين ، أما الجماعة الإثنية ((Ethnic group فقد استخدم هذا اللفظ في الأصل وأطلق على جماعات من الناس كانت مترابطة بيولوجية ، ثم أتسع المعنى وأصبح المصطلح يطلق على أي جماعة لها تقاليد ثقافية مشتركة وإحساس بالهوية . وهكذا يمكن للجماعات الإثنية أن تكون مترابطة على أساس إحساس بالتاريخ والتقاليد (كاليهود) ، وإحساس باللغة (كالهنود في داكوتا) والجغرافيا (كالاسكندنافيين) ، وعلى أساس التعريف السوسيولوجي للعنصر أو الجنس ( گالأمريكيين السود) وعلى الإحساس بالدين (كالسلمين) .. الخ ، والمصطلح يطلق على جماعات الأقلية ولو أن هذا ليس شائعة وذلك أن بعض علماء النفس الاجتماعي يسمون الجماعة المسيطرة في المجتمع جماعة إثنية ، على الرغم من أن الجماعات السلالية كثيراً ما تكون جماعة عنصرية ولم يعد يستعملان كمترادفين ، فلقد وجد أن كل أفراد الجماعة الإثنية يتحدثون بلغة واحدة أو انهم يتحدثون بلهجة واحدة وهي الوسيلة التي يتم فيها الاتصال فيما بينهم لمعرفة أفكارهم والمشاعر السائدة بينهم ، كذلك أنها تدين بديانة واحدة ، وأن التدين بديانة واحدة وأداء الشعائر المرتبطة بها يسهم إلى حد كبير في حالة التماسك والانسجام بين أفرادها ، فضلا عن حالة تكوين الاعتزاز والفخر بين صفوف أفرادها ، كذلك فان أسلوب الحياة الذي يعكس طريقة الجماعة في معالجة المشكلات التي تعترضها يكاد يكون متشابهة ، واستنادا إلى أساليب الحياة التي يستعملها الفرد ، صار بإمكاننا تصنيفه إلى الجماعة التي ينتمي إليها ، كما أن التنظيم الاجتماعي الذي تدعوا إليه الجماعة الإثنية يعد من العوامل المهمة في تشكيل سلوك أفرادها .
فالطائفية والإثنية في العراق تؤثر على الهوية الوطنية ، أذ تعود خصوصية الهوية في العراق إلى تعدد وتنوع كيانات اجتماعية مختلفة وثقافات فرعية متعددة تبدا بالقومية والدين وتنتهي بالقبيلة والطائفية ، والعراق منذ أقدم العصور کیان مركب من إثنيات متعددة تتداخل وتتعايش مع بعضها البعض وبالرغم من هذا التداخل والتفاعل والتعايش مع بعضها البعض وبالرغم من هذا التداخل والتفاعل والتعايش بين هذه الجماعات بقيت الجغرافية لا تتطابق مع حدود المشاعر القومية والدينية والطائفية وذلك التعدد الولاءات للقبيلة والطائفة والمنطقة والمدينة ، التي تستقطب كل واحدة منها مشاعر الولاء الاجتماعي حولها ، أظهرت النتائج أن الانتماءات الفاعلة في المجتمع العراقي ، هي لجماعات تبتعد كثيرة عن الجماعات التي من المفترض أن تكون فاعلة في المجتمعات الحديثة ، فإزاء الانتماء إلى الأسرة ، هناك الانتماء العائلي الذي يشكل دافعة الانتماء أبعد ، هو الانتماء العشائري ، ومن ثم الانتماء القبائلي ، وهناك أخيرا الانتماء الريفي أو المحلاتي (من المحلة) إزاء الانتماء إلى المدينة وتكوين المجتمع المديني ، وهذه الانتماءات التقليدية كانت في بنى تشكو التقليد وتحاول أن تسموا إلى الحداثة قادت الفرد العراقي بعيدا عن الانتماءات الموحدة مع الأفراد الآخرين في هذا المجتمع تندرج إشكالية المجتمع في العراق المعاصر في سياقات قومية ودينية وطائفية (مذهبية) متداخلة ، تضاف إلى الالتباسية (العائلية) و (القبلية / العشائرية) .