مادّة (رهق)- دراسة في الدلالة والتراكيب
الملخص
عُنيَ البحثُ بمادة (رهق) في معجماتنا اللغوية ابتداءً من العين للخليل وانتهاءً بتاج العروس لمرتضى الزبيدي فضلا عن سائر كتب اللغة.
فتَبَيّنَ أنَّ لهذه المادة أصلين متقاربينِ أحدهما غشيانُ الشيءِ الشيءَ بمعنى الإحاطة به والسيطرة عليه, والآخر العجلةُ والتأخير.
فمن الأوَّل قولهم: (رَهِقَهُ الأمرُ): إذا غَشِيَهُ، ولعلّ الأصل فيه هو الرَّهُوق مِن النُّوق: وهي الوَساعُ التي تَرْهَقُكَ إذا كنتَ تـمشي أمامها؛ لتجرَّها، أي كأنَّها تكادُ تغشاك؛ لسَعَة خَطْوِها.
وأما الأصل الثاني فهو العجلة, قالوا: رَهِقَ فلانٌ فلانًا إذا تَبِعه فقارَب أَن يَلْحَقه، ومثله: رَهِقَني الرَّجلُ يَرْهَقُني رَهَقًا، أَي: لَـحِقَني وغَشِيني.
ويمكن لَمْحُ الصلةِ بينَ الأصلينِ المذكورين, ذلك أنّ معنى الغِشيان لا يتأتى إلّا بوجود الـمقاربة والدّنو؛ فأنت لا تغشى الشيءَ إلّا إذا قاربتَه ودانيتَه، والشيء لا يغشاك إلّا إذا قاربَك وداناك.
وثمة معانٍ للرَّهَقِ منها: التهَمَة والإثْمُ، ، والذِّلَّةُ والضَّعفُ، ، والغَيُّ، ، والفَسادُ، والعَظَمَةُ، والكِبْرُ، والعَنَتُ، واللَّحاقُ، والهَلاكُ وغير ذلك.
وحين نتحوَّلُ إلى القرآن الكريم نجدُ أَنّ هذه المادّة وردت فيه عشرَ مرّات,
خمس مرّات بصيغة الفعل الثلاثي زائد ضمير يقعُ مفعولا متقدّما زائد اسم ظاهر يقع فاعلا متأخّرا . وثلاث مرات بصيغة الفعل المضارع الرّباعي المتعدي بالهمزة زائد ضمير مستتر يقع فاعلا زائد ضمير متصل يقعُ مفعولا أولا واسم ظاهر يقعُ مفعولا ثانيا، ومرتين بصيغة المصدر, وقد دلَّت على معانٍ مختلفة وقفنا عليها في كتب التفسير.
وقد كان لهذه الصور خصائصها التركيبية ووجوهها الإعرابية التي تَكَفَّلَ البحثُ ببيانها